الخميس، مايو 29، 2008

أزمة المعطلين والصمت الرهيب

لعل المتمعن في الوضعية الراهنة للمجتمع المغربي ليلحظ وبجلاء تام الحالة المترهلة التي أضحى يتخبط فيها من كافة الجوانب سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي المعيشي وقس على ذلك، فأيما لحظة حللت بفكرك هنيهة أو نظرت ببصرك لحظة إلا وصادفت مظاهر الأزمة بادية على محيا هذا المجتمع، لكن الجانب الذي سأتطرق إليه في هذه المقالة هو مشكلة المعطلين أو بصيغة أدق أزمة الأطر العليا المعطلة التي أفنت زهرة شبابها في سبيل طلب العلم والنهل من ينابيعه الصافية، فما من شك أن هذه المعضلة تعاني منها حتى كبريات الدول الأوربية التي وصلت من مظاهر التحضر والرفاه مبلغا لا يستهان به، ولنكون موضوعيين مع أنفسنا؛ فإن المقارنة بين عطالتنا وعطالتهم وبين سبل معالجة حكوماتهم وحكوماتنا أمر مجحف للغاية وغير لائق البتة، والسبب بسيط، ومكمن البساطة فيه أن مشكل المعطلين في المغرب يكتسي طابعا خاصا ويصطبغ بملامح مغايرة، ففي الوقت الذي تضع بعض الدول راتبا لهؤلاء المعطلين نجد في المغرب إسكاتا لأصواتهم ومنعهم من التعبير عن حقهم الدستوري الذي يكفله لهم القانون المغربي، وعن حقهم في العيش الكريم في مجتمع قلت فيه الكرامة والإنسانية.
لقد أضحت أزمة المعطلين من الأمور التي تشوه وجه المغرب في المنتظم الدولي، ومن الطعون التي تسجلها الهيئات الحقوقية في الشعارات الراقية التي ترفعها الدولة من قبيل حقوق الإنسان والحق والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات وحرية التعبير.
لكن الأمر المثير في هذا الموضوع هو الصمت الرهيب للحكومة التي بات لزاما عليها أن تجد حلولا موضوعية وعاجلة لهذه الأزمة، فبقدر التغاضي والإهمال المسجل في حق الجهات المعنية بقدر تفاقم المشكل واستفحاله، وفي ظل هذا المخاض يظل الإطار المعطل هو الضحية تحت ضغط الظروف المعيشية الصعبة، وانعدام موارد الإنفاق، زد على هذا الإذلال الذي يتعرض له بشكل يومي أمام مرأى ومسمع الرأي العام من ضرب وجرح وسب وشتم إلى غير ذلك من مظاهر الإهانة والاحتقار، وكأننا أمام أناس غير طبيعيين لا تصلح معهم إلا لغة العصا، في حين أن هؤلاء هم عمود نهضة هذا المجتمع والوجه الصبوح الذي ينتظر من يكشف عنه ليتملى الناس برؤيته، هؤلاء هم الأطر العلمية التي تطمح للمساهمة في بناء صرح هذا المجتمع وحفظ ماء وجهه.
قد يقول قائل إن هذه الأطر المعطلة كثيرة العدد يستعصي على الحكومة أن تجد حلولا فورية لكل هؤلاء، لكن صاحب هذا الكلام لا يجب أن يفوته أن موارد الدولة وميزانيتها تستطيع أن تشغل أضعاف هؤلاء المعطلين المسجلة أسماؤهم في القرص الموجود لدى الوزارة المعنية، ثم إن أموالا ضخمة يستعصي على ذي لب إحصاءها تصرف في المهرجانات الصيفية وفي أشياء تافهة لا تعود على المجتمع إلا بالخسران المبين، فلم لا تتحلى حكومتنا العزيزة بحسن التدبير لمواردها وتحاول وضع الأصبع على مكمن الداء؟
أكيد أن بعض الجهات لن يروقها مثل هذا الكلام وسيظنون أن صاحبه يناوش الأشباح ويصارع خيط دخان، لكن الأوكد من هذا أن الإرادة الحرة الطليقة لهؤلاء الأطر العليا المعطلة لن يعمل على إيقافها أي شكل من أشكال الإقصاء، وستظل على الدرب صامدة حتى حين تحقيق مطلبها العادل والشرعي والإنساني والقانوني ألا وهو الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية.

بقلم الباحث محمد هديدي
الرباط، بتاريخ 25/03/2008

ليست هناك تعليقات: