الخميس، مايو 08، 2008

أي تصور لحركة احتجاجات المعطلين حاملي الشهادات العليا؟ بقلم أحمد الأنصاري بوعشرين مكناس



تدل وقائع تاريخ حركة الاحتجاجات، أن الحركة الاحتجاجية ما لم تتسلح بتصور نضالي وبرنامجي ومطلبي واضح، فإن نضالاتها مهما بلغت ذروتها التصعيدية والاحتجاجية، لن تؤدي إلى نتيجة بحجم التطلعات المطلبية التي ينبغي أن تكون، إذ أن هذه التصور هو الذي "يبوصل" الفعل النضالي ويدله ويذكره بالثوابت ويغذيه بالمرونة التفاوضية الضرورية، ويربطه بمجمل السياق العام الذي يتحرك ضمنه، فما هي محددات هذا التصور في تقديري، في إطار حركة احتجاجات المعطلين ذوي الشهادات العليا؟
نقصد بالمحددات التصورية المنطلقات والمرتكزات التي يتأسس عليها التصور النضالي، وهي في تقديري نوعان:
محددات أخلاقية، ومحددات مطلبية وبرنامجية.
I. المحددات الأخلاقية
وتعد في تقديري بمثابة المرجع القيمي للنضالات، وهي ترتكز بالأساس على العناصر التالية:
· الكرامة أولا: إذ من الخطأ في تقديري الاعتقاد أن مطلب الإدماج والتشغيل هو هدف في حد ذاته، بل هو فقط وسيلة لتعزيز الكرامة الإنسانية، فالكرامة الإنسانية هي التي تأتي بالعمل والوظيفة والخبز والقوت اليومي والاستقرار الاجتماعي، ودونها لا مذاق إنساني لكل ما يأتي من "مكاسب"، وإذن في تقديري على أساس هذا المحدد القيمي، يصبح لا معنى لمنطق براغماتي يستحضر فقط المطالب الاجتماعية ويغيب بالمطلق الكرامة الإنسانية للأطر التي هي الهدف الأسمى التي يسعى إليه الإطار عن طريق توفير وتحقيق كل هذه "المكتسبات الاجتماعية".
· النضال بمنطق شمولي لا فئوي: من البديهيات التي يتعلمها المناضل في ساحة النضال، أنه يناضل نيابة عن كل المتضررين في إطار المصلحة المادية والمعنوية العامة التي تعم جميع هؤلاء المتضررين والمحرومين، ويتعامل بمنطق المطالبة بالحق وبمنطق أن الحق ينتزع ولا يمنح، وينتزع ليستفيد منه الجميع وليس فقط طبقة أو فئة معينة بعينها، فالمنطق الفئوي أثبت فشله، بل قد يكون سلاحا فتاكا ينخر جسم حركة النضال، ويوظف من لدن -كل من ليس له مصلحة في أن ينال المناضلون حقه-، في تشتيت صفوفهم، وزرع النزاعات والخلافات بينهم.
· نبذ كل أشكال الانتهازية والوصولية والتصدي لها: والنضال بمنطق شمولي لا ينبغي أن ينسي المناضل، التنبه وأخذ الحذر حتى لا تعم موجة الانتهازية والوصولية جسم حركة النضال، صحيح أنه لا يمكن اجتثاث الانتهازيين بالمرة من الجسم النضالي، وصحيح أن المناضل لا ينبغي أن يشتغل ببعض التفاصيل المملة حول فلان أو علان من الانتهازيين، لكن الحيلولة دون سيادة المنطق الانتهازي في صفوف حركة النضال هو من أولويات النضال أيضا، فليكن هذا المنطق الانتهازي حالة شادة استثنائية ضمن الجسم النضالي، أما أن ينخر الجسم النضالي ليصبح هو الأصل وهو المرجع وهو المنطق السائد فهذا ما ينبغي التصدي له بكل حزم كي لا يتحقق، وهنا وجب التنبيه إلى أهمية الحرص على التربية النضالية الميدانية، التي تزرع قيم النضال الصحيح من نكران للذات والاعتقاد أن الحق ينتزع ولا يعطى، والتضامن ...وتحرص أن تجددها وتذكر بها في كل حين.
· الحرص على الوحدة والتضامن: وهذا الحرص له اتجاهان، اتجاه داخلي لتمتين لحمة الجسم النضالي، واتجاه خارجي لتمتين الصف النضالي الاحتجاجي العام بين مختلف الفرقاء المشتغلين في الجبهة الاحتجاجية عموما، وقد ذكرنا في مقال سابق أهمية أن تتخذ الحركة الاحتجاجية منحى شمولي تتناغم فيه مطالبها عموما، وتجعلها في خدمة هدف واحد وهو الدفاع على كل المكتسبات الاجتماعية الشعبية عموما.
· نكران الذات في النضال: حيث المصلحة العامة أولى من المصلحة الخاصة، وحيث التضحية والالتزام بصناعة الفعل النضالي الجماعي كل من موقعه، وبالحرص على إنجاحه.
· التحلي بخلق الحوار وحسن الاستماع: وخصوصا في صناعة القرارات التي تهم مسيرة النضال، ومنه الاعتقاد أن الصواب يصنعه الجميع عبر حسن الاستماع والحوار والتشاور واحترام الرأي المخالف،
· تغليب المصلحة العامة في رسم أولويات النضال: وهو تحصيل حاصل نكران الذات، والحرص على الوحدة والتضامن، والتحلي بخلق الحوار من أجل صناعة الصواب الجماعي، لتحديد المصلحة العامة، ورسم الخيارات والأولويات على ضوئها، إذ أن الأولويات لا ينبغي في تقديري أن ترسم على أساس انطباعي لحظي، بعيدا عن القراءة المتأنية للواقع واستحضار كل معطياته، قصد استخلاص الجواب النضالي للمرحلة المعنية، والمصلحة العامة تحددها المحددات المطلبية التي تؤطر الفعل النضالي الجماعي، فما هي هذه المحددات المطلبية بالنسبة لحركة الاحتجاجات لحاملي الشهادات العليا؟
II. في المحددات المطلبية
II-1 توطئة:ثمة مقاربتان في تقديري، لمسألة عطالة الأطر العليا، هي السائدتان على مستوى الأطروحات المقترحة لحل هذه المعضلة، وهذين المقاربتان تعتمدان على قرائتين مختلفتين لسياقات العطالة وتداعياتها وكذا لأسبابها، فما هي منطلقات هذين المقاربتين؟
II-1-1المقاربة التشاركية
وهي مقاربة تعتمد على المنطلقات التالية:
· أن الدولة لا يمكن أن تتكفل بالتوظيف العمومي، نظرا لإكراهات الميزانية وكذا لارتفاع الكتلة الأجرية التي تثقل كاهل نفقات الخزينة العامة، على حساب الموارد الضعيفة،
· أن التوظيف قد يكون بإشراك كل القطاعات المعنية من خواص وشبه خواص وجماعات محلية،
· أن قضية العطالة عموما قضية وطنية، وحلها يتم كذلك بإشراك هؤلاء الأطر العليا في إيجاد حل لعطالتهم، بتشارك مع كل القطاعات الخاصة والشبه الخاصة والعمومية والجماعات المحلية والمؤسسات النقدية.
II-1-1المقاربة النضالية التصحيحية
وهي مقاربة تعتمد على المنطلقات التالية:
· أن الدولة مسؤولة بالدرجة الأولى على عطالة هذه الأطر العليا وعلى ملف العطالة عموما، نتيجة السياسات التي انتهجتها منذ عهد التقويم الهيكلي، والتي أتت على الوضع الاجتماعي العام وعلى المكتسبات الاجتماعية الشعبية عموما،
· أن المعطلون ليسوا شركاء في مسؤولية عطالتهم وبالتالي لا ينبغي أن يكونوا شركاء في حلهم لعطالتهم التي هم ضحاياها،
· أن إدماجهم الفوري والمباشر والشامل في أسلاك الوظيفة العمومية، هو من الضرورات الاستعجالية، على اعتبار نوع عطالتهم،(أطر عليا) وعلى اعتبار مستنداتهم القانونية (الحق الدستوري في التشغيل، والمقررين الوزاريين...)، وعلى اعتبار الخصوصية الاجتماعية لوضعهم، غير أن هذا لا ينفي مسؤولية الدولة على العطالة عموما،
· أن حل مشكل العطالة يمكن أن يكون بتغيير وجهة السياسات العامة التي تنتهجها الدولة، هذه السياسات التي اعتمدت بالأساس على التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية،
· أن مقترحات الحل التدريجي لحل هذه المعضلة عموما ممكنة التحقق، إذا ما تم تخصيص صندوق وطني لدعم المعطلين في وضعية البحث عن شغل، وتفعيل كل الآليات القانونية لإصلاح وضعية القطاع الخاص والشبه الخاص، وهيكلته وفق قواعد مهنية بحتة، (الشفافية والكفاءة)
· أن الدولة مطالبة بالاستمرار في إدماج المعطلين ذوي الشهادات العليا خصوصا، في قطاعات الوظيفة العمومية، مع تفعيل كل الآليات القانونية ذلك بناء على قواعد النزاهة والشفافية، مع زجر كل أساليب المحسوبية والرشوة والزبونية التي تنخر جسم الدولة،
وفي تقديري فإن المقاربة النضالية هي الأقرب إلى الصواب، للاعتبارات التالية:
لكونها تأخذ بعين الاعتبار استعجالية ملف العطالة،
ولكونها مقاربة تعتمد على نظرة تصحيحية لمجمل السياسة العامة التي لا زالت تنتهجها الدولة، والتي تعتمد بالأساس على التوازنات ذات البعد المالي قي تغييب تام للبعد الاجتماعي، الأساس في كل تنمية حقيقة في تقديري.
على قاعدة المقاربة النضالية يمكن تقسيم المحددات المطلبية إلى ثلاث أنواع، وهي محدد مطلبي محوري (مطالب أساسية)، محدد مطلبي حقوقي (مطالب حقوقية)، محدد مطلبي استعجالي (مطالب استعجالية) ، وهذه الأنواع مرتبطة ترتيبا بعضها ببعض ومتداخلة بحيث أن المطالب الاستعجالية والحقوقية هي تفصيل للمطالب الأساسية.
1) محدد مطلبي محوري: مطالب أساسية
وهذه المطالب الأساسية تدور حول مطلب محوري وهو التسوية الشاملة لكل الأطر العليا المعطلة وذلك بإدماجهم الفوري والمباشر والشامل في أسلاك الوظيفة العمومية. وعلى أساس هذا المطلب المحوري تتفرع كل المطالب الأساسية من مثيل:
· تفعيل القرارين الوزاريين 695/99 و 888/99 الصادرين بتاريخ 04 أبريل 1999
2) محدد مطلبي حقوقي: مطالب حقوقية
وأولها تفعيل الحق الدستوري في التشغيل وكذا القرارين الوزاريين السالفي الذكر، بالإضافة إلى مطالب أخرى يمكن إجمالها في:
· الحق في التعبير وفي إيصال معاناة الأطر العليا المعطلة عبر وسائل الإعلام السمعية والمكتوبة والمرئية الرسمية، وكذا عبر القاعات العمومية،
· الحق في الاحتجاج السلمي دون تعرض الأطر العليا المعطلة للتدخلات الأمنية القمعية العنيفة،
3) محدد مطلبي استعجالي: مطالب استعجالية
وتكتسي طابعا استعجاليا لأنها هي العجلة التي بها يتم تفعيل كل المطالب الأخرى ويمكن تركيزها في:
· جدولة زمنية واضحة وعلى المدى القريب للإدماج الفوري والمباشر والشامل للأطر العليا المعطلة في أسلاك الوظيفة العمومية.
على سبيل الختم
كانت هذه أرضية الهدف منها الإسهام بقدر تواضع في إضاءة درب النضال عند الإطار المعطل، ذلك أن النضال اليومي قد ينسينا وقفات التأمل والتفكير والتنظير وهي ضرورية خصوصا إذا كان الموضوع هو تأسيس تصور يؤطر نضالات المعطلين حاملي الشهادات العليا، كم حاجتنا إليه في تقديري راهنا، تجنبا لأي تحريف بوعي أو بدون وعي لسكة النضال الصحيح بمطالب واضحة وصحيحة.

انتهى من كتابته أحمد الأنصاري بوعشرين إطار معطل ضمن التنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة
يوم الثلاثاء 06 ماي 2008 بمكناس

ليست هناك تعليقات: