الأربعاء، ديسمبر 03، 2008

نحو فهم سديد لحركة المعطلين


كثيرة هي الإشكالات الفكرية التي تختلف بشأنها التصورات، وتتعدد بخصوصها الرؤى ووجهات النظر، وهذا في حد ذاته أمر طبيعي وصحي إذا كنا نتوق إلى خلق جو من الحوار الجاد والخلاق وبعث الروح في ثقافة الاختلاف التي أماتتها السنين بتزكية من الإنسان، ولإن كان هذا ديدن وسبيل مختلف الإشكالات الفكرية فما بالك بالإشكالات الاجتماعية التي تختلف عن الأولى من حيث الماهية والارتباط.
إن الأزمة الاجتماعية الخانقة التي يمر منها المغرب في الآونة الحالية، وبخاصة ما يتعلق منها بالمعطلين عن العمل من حاملي الشواهد العليا المرابطين بالعاصمة الرباط لتنذر بمزيد من استفحال ظاهرة الاحتقان الاجتماعي، وتؤدي لا محالة إلى نتائج سلبية، وإلى مزيد من تدهور أوضاع شريحة مهمة يعول عليها في حمل مشعل النماء فيما يستقبل من الوقت.
لكن رغم ما قيل ويقال بخصوص هذا الموضوع كيفما كانت الجهة المسؤولة عن ترويجه فإن ثمة أشياء خفية تتعلق بمسألة الفهم الصحيح لحركة المعطلين حاملي الشواهد العليا رأيت من اللازم بسطها في هذا المقام حتى تتضح الصورة، وينقشع الغبار عن أعين الكثيرين ممن تصلهم أصداء هذه الفئة لكن بطرق مغلوطة أحيانا وملغومة في أحايين كثيرة.
إن حركة المعطلين؛ حركة اجتماعية مطلبية هدفها الوحيد والأوحد هو الإدماج الفوري والشامل والمباشر في أسلاك الوظيفة العمومية وفق القرارين الوزاريين تحت رقم 99/888 و 99/695، ووفق المحضر الحكومي المؤرخ بتاريخ 02 غشت 2007، وهي حركة ضرورية ومصيرية لامحيد عنها، إذ تعبر عن صوت أبناء الطبقات الشعبية التي لاتتوفر على آليات ووسائل خاصة لضمان تشغيل أبنائها، وهي الملاذ الأخير لأطر عليا وكفاءات مرموقة سدت في وجهها سبل الإدماج الذي يرضخ تحت وطأة المحسوبية والزبونية والرشوة والانتماء الحزبي.
كما أن هؤلاء المعطلين لا يحملون نزوعا مسبقا إلى الموت، ولا يمثلون كيانا بشريا تحكمه ثقافة انتحارية، فمعظم الأشكال التي يقومون بها تعبر عن رقي الحس النضالي عند هذه الفئة، ويكون الدافع الذي يحركها إحساس بالغربة في الوطن الأم، وإحساس بالغبن والتهميش والاحتقار من قبل الجهات المعنية، وهذا جانب مهم وجب على من يروج لأكذوبة العنف الموازي للأشكال النضالية معرفته وإدراكه جيدا، وهذا يقودنا إلى التسليم بأن حركة المعطلين لا تندرج بتاتا ضمن خطة لتصفية حساب سياسي، بل حتى الطلعة البهية التي قام بها فؤاد عالي الهمة سابقا وأراد من خلالها كما يزعم أن يجد حلا لأزمة المعطلين بصفة نهائية عن طريق الترويج لمفهوم الجهوية وبشروط مجحفة، قرأها البعض قراءة سياسية مغلوطة وأراد أن يلصق بهذه الحركة الاجتماعية المطلبية الخالصة أشياء لاتمت إلى كيانها المستقل بشيء.
وانظروا معي إلى هذه المفارقة العجيبة، لقد أشعل المعطلون الشموع بتاريخ 04غشت 2008 في شخص التنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة، إشعارا منهم للجهات الحكومية بمرور سنة كاملة على اتفاق 02 غشت الذي أبرمته الحكومة المغربية معهم سنة 2007، فكان مصيرهم في تلك الليلة مزيدا من التنكيل من قبل كماشة القمع الشرسة، ليتأكد بالملموس أن الحكومة تفتقد أيضا لحس التعامل مع الأشكال النضالية الراقية، وكأنها توجه عموم المحتجين على سياستها التشغيلية نحو تبني مسلك العنف أثناء الاحتجاج، لكن بين رقي الثقافة النضالية لأطر التنسيقية الوطنية وبين هذا المسلك مفاوز كبيرة، فليطمئن مسؤولونا بخصوص هذا الجانب.
لقد ثبت بالواضح وبما لا يدع مجالا للشك أن التنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة قامت بكل ما يجب أن تقوم به أي حركة اجتماعية مطلبية، وناضل أطرها حتى في شهر رمضان الأبرك، وهذا لا يعني أنهم قد استنفدوا مخزونهم النضالي بل على العكس من ذلك، فبقدر تفاقم أزمتهم مع العطالة بقدر ثباتهم وتشبثهم بحقهم المشروع في الشغل والعيش الكريم.
وفي ظل ما تمت مناقشته مؤخرا في المجلس الحكومي برئاسة الوزير الأول عباس الفاسي، وتشكيل لجنة وزارية ستوكل لها مهمة الإشراف على ملف المعطلين، وتأكيد جهات حكومية مسؤولة عن قرب الإفراج عن المناصب المخصصة للأطر العليا المعطلة، يظل أطر التنسيقية الوطنية كما هو الشأن بالنسبة لغيرهم، حبيسي هذا الانتظار المميت، وفي صراع دائم مقاومة منهم للواقع المعيشي البئيس الذي يتخبطون وسط دهاليزه، وكلهم أمل بشروق شمس غد أفضل، ولسان حال كل مناضل منهم ينطق بأحقيته وأولويته في ولوج سلك الوظيفة العمومية كهدف أسمى ردا للاعتبار وجبرا للضرر.

بقلم: محمد هديدي
عضو التنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة
Hdidi_med@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: